أعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، الثلاثاء، أن أجهزة الأمن اعتقلت 46 شخصاً، وأنها تلاحق 58 آخرين بينهم 13 أجنبياً ينتمون إلى "كتيبة عقبة بن نافع" المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتي يتحصن بعض أفرادها في جبل
الشعانبي من ولاية القصرين على الحدود مع الجزائر




وأوضح الوزير أن تسعة من بين الموقوفين اعتقلوا في جبل الشعانبي. وأنهم مدّوا أجهزة الأمن بهويات كامل عناصر الكتيبة
وتابع الوزير "المفتش عنهم من الكتيبة نفسها هم 13 بينهم ثلاثة أجانب متهمون بإدخال الأسلحة، و31 هم الآن في الجبال بينهم 10 أجانب، وأربعة ضالعين في التمويل، وسبعة منتمين للتنظيم وثلاثة من الجناح العسكري (للتنظيم) وعددهم في النهاية 58"
وبالعودة إلى الوراء قليلاً فإن قوات الجيش التونسي انطلقت منذ ديسمبر/كانون الاول 2012 الماضي في ملاحقة عناصر ينتمون الى كتيبة عقبة بن نافع الجهادية في المنطقة الجبلية بالشعانبي التابعة لولاية القصرين على الحدود مع الجزائر، وخلفت هذه الملاحقات حتى الآن عشرات القتلى والجرحى في صفوف القوات النظامية، لقي أغلبهم حتفه في أحراش الجبل متأثراً بالألغام الأرضية التي زرعتها الجماعة هناك.

الجبل الشاهق

ويعد جبل الشعانبي القمة الأعلى في تونس، إذ يبلغ ارتفاعه 1544 متراً فوق سطح البحر، ويقع في الوسط الغربي التونسي وهو مغطى بغابة كثيفة من الصنوبر الجلبي، وتوجد به الحديقة الوطنية بالشعانبي والتي تعد الاكبر حجماً على مستوى البلاد، وتنتشر فيها المغارات والخنادق التي سهلت كثيراً تمركز العناصر المسلحة ووفرت لهم فرصة أكبر للتخفي والمناورة، بحسب مراقبين.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبدالستار العايدي في مقابلة مع "العربية.نت" أن "الخصائص الطبيعية التي يتوفر عليها جبل الشعانبي تعد مكاناً مغرياً وجاذباً للجماعات الجهادية، ففي مثل هذه التضاريس الوعرة ينجح هؤلاء في هوايتهم المفضلة وهي الحرب الخاطفة ضد القوات النظامية بطيئة التحرك وثقيلة العتاد، والأمثلة على ذلك كثيرة في كثير من ساحات التوتر ولعل نموذج أفغانستان هو الأكثر حضوراً ودلالة، فجبل الشعانبي بارتفاعه الحالي وغاباته الكثيفة شبيه إلى حد كبير بمرتفعات أفغانستان أو جبال زاغروس الكردية والتي تتخذ منها الجماعات الكردية المسلحة ملاذاً لها".
يُشار الى أن الجيش التونسي وقوات الحرس الوطني قد لقيت عناءً كبيراً في تمشيط المنطقة الجبلية بسبب صعوبة التضاريس وكثافة المناطق الغابية بالجبل، حتى أن العناصر الإرهابية استطاعت زرع بعض الألغام في أماكن قد تم تمشيطها في وقت سابق.
ويضيف العايدي: "وبالرغم من وجود جبال أخرى عالية في تونس غير أن الشعانبي يتميز بقربه من الحدود الجزائرية والتي يمكن أن تشكل جبهة خلفية يمكن الفرار إليها في حالات الحصار، فالقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لها بعض الحضور النسبي في سلسة الجبال الشرقية في الجزائر ويمكن لها أن تشكل "هانوي" جديدة - إن صح التعبير - لحلفائها في تونس".
ويؤكد الباحث التونسي العايدي أن "كل محاولات التمركز في مناطق جبلية أخرى في أنحاء البلاد قد فشلت، باستثناء الشعانبي فقد شكّل معضلة حقيقية للقوات المسلحة التونسية، فبعد أكثر من ستة أشهر والحالة مازالت تراوح مكانها بل زادت عمقاً في التأزم بعد مقتل عشرات الجنود تفجيراً وذبحاً، وهو ما يؤكد أن الشعانبي قد تحول الى فضاء استراتيجي لنشاط الجماعات، خاصة أنها فشلت في التركز في جبل بوقرنين المتاخم للعاصمة عام 2006 بسبب فقدانها للدعامة الخلفية والمتوافرة في الشعانبي من خلال الجزائر".
يُشار الى أن تونس تتميز بوجود العديد من السلاسل الجبلية، أهمها سلسلة "الظّهريّة التّونسيّة" وهي تسمية سلسلة جبال الأطلس في جزئها التّونسي، وسلسلة "جبال مطماطة" في الجنوب الشرقي، وجبل "السرج" في ولاية سليانة وهو ثاني أعلى قمة في البلاد، وجبل "بوقرنين" بالضاحية الجنوبية للعاصمة، وكانت "جماعة أسد بن الفرات" ذات التوجهات السلفية الجهادية قد تحصنت فيه أواخر عام 2006 لتدخل في صراع مسلح مع الجيش التونسي انتهى آنذاك بالقضاء عليها واعتقال بعض عناصرها.