ثورة ليبيا.. الفروق الخمسة مع ثورتي تونس ومصر
مريم عيتاني*
إسلام أون لاين ـ بيروت
كانت الانتفاضة التونسية مدهشة ليس في اندلاعها فحسب، بل أيضاً في نهايتها المثمرة والمفاجئة. ثم كانت الانتفاضة المصرية، ربما لم تدهشنا باندلاعها بالقدر ذاته، لكنها أدهشتنا بأوجه أخرى: باستمراريتها وحضاريتها. وبها أيضاً كان اندهاشنا بقدرة النظام السابق على المراوغة، أو بالأصح على لعب أوراق أخيرة قذرة لا تبالي بقيمة حياة الناس أو اختياراتهم، كالبلطجية وصولاً إلى القتل دهساً. ثم كانت ولا تزال، ثورة ليبيا، التي كان اندهاشنا بالقذافي فيها أشد من اندهاشنا باندلاع الثورة، وأشد أيضاً من اندهاشنا بهذا الزعيم "الفريد" في أوقات السلم، فكيف به في أوقات ثورة تشتد على كرسي كان يحسبه خالداً له ولعائلته.
وفي خضم هذا العالم الثائر، حيث المدّ لا يهدأ، وحيث ترتفع الحرارة في دول كاليمن والبحرين، وتلمع الانذارات في آفاق دول أخرى؛ تتراكم عدة عوامل في تحديد صفات الثورات التي نشهدها، وامكانية نجاحها، وسرعة انتهائها؛ كما أن بعض هذه العوامل يرتبط بقواعد "سير اللعبة على الأرض" أي فعلياً سير الثورة بين الشعب والرئيس/النظام.
جدلية الكثافة السكانية
تُصعّب الكثافة المنخفضة من مهمة الثوار. فمثلاً معدل الكثافة السكانية في مصر يقدر بحوالي 82.3 للكيلومتر المربع (2008) وفي تونس بحوالي 63 للكيلومتر المربع (للسنة ذاتها)، أما في ليبيا فإنه يقدّر بحوالي 3.6 فقط للكيلومتر المربع (للسنة ذاتها)، وهي نسبة ترجع ليس فقط لقلة الليبيين بل أساساً لمساحة ليبيا الشاسعة. وتعدّ ليبيا الدولة السابعة عشر في العالم من حيث المساحة، لكنها الدولة 105 من حيث عدد السكان، والدولة 218 من حيث الكثافة السكانية.
ويدخل ضمن هذا العامل نقطتان أساسيتان: الأولى عامل القبلية، حيث تغلب على الشعب الليبي الانتماءات القبلية، ويقدر عدد القبائل والتجمعات الليبية بحوالي 140، وهو عدد كبير قياساً بعدد السكان الذي يقدر بحوالي 6.5 مليون نسمة. أضف إلى هذا وجود العديد من اللاجئين في ليبيا، بينهم الصوماليين والفلسطينيين والسودانيين. كما توجد جالية مصرية تقدر بما يفوق المليون شخص.
أما النقطة الثانية في هذا الإطار فهي أن نسبة تقارب النصف من مجموع الليبين هي دون الخامسة عشر من العمر.. وعليه، فإن عدد الليبيين القادرين فعلياً على تشكيل رأي سياسي أو نشاط حقيقي هو النصف.
وفي هذا الاطار، يكمن تخوف أكبر للعديد من النقاد عما ستنتهي إليه الثورة بعد رحيل القذافي ـ إن حصل ـ حيث يخشى من عراق أو لبنان آخر تحكمه ديناميات "اقتسام المصالح" بدلاً من حكم عادل حقيقي بحق مصالح الشعب.
الجيش يحسم الثورات
وقد لعب الجيشان التونسي والمصري دورين حاسمين في ثورة شعوبهما. أما الجيش الليبي، فإنه من الأرجح أن ينقسم قبل أن يتمكن من لعب دور حاسم مشابه لنصرة شعبه. ولعل النقطة الأضعف في سجل الجيش الليبي ضعف تاريخه - وهذا ليس انتقاصاً من مكانة ليبيا التاريخية والحضارية وغناها حقيقة مقارنة بمعظم دول العالم العربي. فالجيش الليبي لم يشارك بأية حروب وهو حديث نسبياً حيث أسس سنة 1962، وقد لعب القذافي الدور الأكبر في تدريب القوات الحالية وإعدادها. واذا ما نظرنا إلى مصر بالمقابل مثلاً فالجيش المصري هو عاشر أكبر جيش في العالم، كما أنه أحد أقدم الجيوش النظامية في العالم ان لم يكن أقدمها على الاطلاق. أما الجيش التونسي فهو أيضاً قد تأسس سنة 1855 أي قبل أكثر من 150 عاماً.
العالم الخارجي والانفتاح
بعد العوامل الداخلية، ساهمت عدة عوامل خارجية في إنجاح ثورتي مصر وتونس، لعل أهمها وسائل الاعلام والرأي العام الخارجي. وقد حظيت ثورة تونس في هذا المجال باهتمام كونها "الثورة الأولى". اما ثورة مصر فقد حظيت باهتمام أكبر لأسباب متعددة، أولها مكانة مصر في العالم العربي وفي العالم ككل ودورها السياسي وكذلك مكانتها في الصراع العربي الإسرائيلي؛ أما أهمها فكان نشاط المصريين أنفسهم على الانترنت وعبر الموبايلات في تحدي ما فرض عليهم من قطع تام لوسائل الاتصال والانترنت.
كما نذكر في هذا المجال الغيبوبة التي كانت تحيط بليبيا في الوعي العربي والعالمي، حيث أن نظام القذافي غطى على أي وهج آخر كان من المفروض أن نراه لدولة قائمة حضارتها منذ آلاف السنين، وتتمتع بغنى في الطبيعة والآثار (تحتضن أكثر آثار رومانية في العالم بعد إيطاليا)؛ مقابل دولة مثل مصر تشتهر بآثارها وكوجهة سياحية، ويحفظ العرب أغانيها ولهجتها وأفلامها.
ثورة "تحصيل حاصل"
ونقصد بهذا التسلسل الزمني لحدوث الثورات. فلو أن ثورة ليبيا حدثت قبل مصر، لكانت اكتسبت أهمية أكبر بوصفها ممهدة لثورة أهم وأكثر ارتقاباً (ضمن المعايير المذكروة اعلاه) وهي الثورة المصرية. كذلك الأمر مثلاً بالنسبة لثورة اليمن أو البحرين حيث قد تكتسب اهتماماً بحال نجاحها لأنها ستطرح علامات استفهام أكبر تجاه دول أكثر أهمية من البعد الاستراتيجي كالسعودية. أما اليوم، فان الثورة الليبية يتم تناولها – شعورياً أو لاشعورياً – على أنها ثورة "تحصيل حاصل" لإنهاء حكم ديكتاتور استمر لأكثر من أربعين عاماً. ونرى انعكاساً لهذا الشعور في معظم التحليلات والمناقشات التي تتناول هذه الثورة. وإذا أضفنا لهذا "البرودة" التي تكتنف أخبار هذه الثورة بسبب قلة الأخبار أو صعوبة الوصول إليها وتوثيقها، قد نستطيع أن نفهم الشعور الذي بدأ يراود الكثيرين بنوع من "الضيق" بسبب "طول المدة التي استغرقتها هذه الثورة لاتيان أية نتيجة" بحسب تعبير البعض؛ وهذا الشعور هو انعكاس للنقاط أعلاه ضمن هذا الإطار. فثورة ليبيا لم يمض فعلياً على اندلاعها أكثر من ثلاثة أسابيع، إلا أن سخونة الأجواء، وشعورنا بحتمية رحلي القذافي، جعلت من الانتظار "عملاً" للبعض، أنساهم حتى قلق متابعة ما يحصل في ليبيا من ملاحم أو أحداث.
وتبقى الإشارة إلى أن هذه العوامل بالطبع ليست الوحيدة، لكنها الأبرز حالياً، خاصة إذا ما استثنينا شخص الرئيس الحالي القذافي وعائلته، والذي كان على مر السنين الأربعين الماضية لحكمه مثار جدل. ولعل هذه العوامل تكون أيضاً عامل همة للشعب الليبي، ليدرك أن ثورته ليست "أضعف" من ثورة الآخرين، ولا تضحياته أقل شأناً أو قيمة، لكن لكل شأن سيراً، ولكل سيرٍ حكمة.
___________________________
* باحثة في مجال الدراسات العربية والشرق أوسطية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire